تربية الإبداع
مصطلح تَرْبِيَة: (مصدر رَبَّى). ويقال: سَهِرَ عَلَى تَرْبِيَةِ ابْنِهِ تَرْبِيَةً سَلِيمَةً : أَيْ تَهْذِيبُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَتَنْشِئَتُهُ.
أما مصطلح الإبداع فقد ورد فيه من التعاريف الكثير.
أصبح الإنسان يعيش في زمن الثورة التقنية والتسارع المعرفي وهذا يتطلب منه أن يستثمر طاقاته الكامنة بأفضل الأساليب وينمى قدراته لأقصى مدى لكي يواكب الذكاء الاصطناعي والتسارع المعرفي، وسأتناول هذا الموضوع من عدة زوايا:
أ-دوافع الإبداع: أثبتت الدراسات أن التدريبات المناسبة تحسن القدرات الإبداعية وتكون كفيلة بتنمية وزيادة الإنتاج الإبداعي عند أصحاب القدرات الإبداعية, كما أن كل فرد قادر على أن يكون مبدعاً إلى حد ما لو عرف الطريقة الى ذلك بامتلاك مهارة وأسلوب التفكير الإبداعي واستطاع تنمية الدوافع التي تمكنه من العمل الإبداعي.
وقد صنف سويدان والعدلوني( 2002) هذه الدوافع إلى ما يلي:
1- دوافع ذاتية داخلية: تتمثل الدوافع الذاتية الداخلية بالحماس في تحقيق الأهداف والرغبة في معالجة الأشياء الغامضة والمعقدة, وفي تجريب أكثر من مجال في العمل والحصول على رضا النفس وتحقيق الذات وإشباع الحاجات النفسية.
2- دوافع البيئة الخارجية: تتمثل الدوافع البيئية الخارجية في الحاجة إلى الإبداع في مجالات العمل المختلفة, وكذا الحيوية والنمو,
3- دوافع مادية معنوية: كالحصول على رضا الله سبحانه و تعالى, والمكافآت المالية, والحصول على التقدير والثناء والشهرة والمرتبة المرموقة ودرجة وظيفة متقدمة ورضاء الناس وقبولهم .
4- دوافع خاصة بالعمل: وتتمثل في الرغبة في إيجاد الفكرة والحصول عليها.
ب- متطلبات تربية الإبداع وتنميته:
يعد الإبداع عملية تسير وفق نمو الطفل, ووفق إشباع حاجته الأساسية والسيكولوجية والمعرفية والاجتماعية.
لذلك تعنى بتربية الطفل عدة مؤسسات تبدأ بالأسرة ومن ثم المدرسة بمراحلها المختلفة فالمجتمع.
وجميع هذه العناصر معنية بتربية الإبداع وتهيئة الظروف المناسبة التي تعزز وتسهم في تطويره, وتربيته وإنماؤه فالطفل يعبر من خلال الإبداع عن مخزونه بطريقة تسهم في زيادة إيجابية بفاعلية نشاطه المعرفي والاجتماعي والارتقاء به ( عويس 2003).
لقد حدد جيلورد( Guilford,1986) بناءً هرمياً لقدرات التفكير الإبداعي المتدرجة والمتسلسلة من حيث سهولتها وصعوبتها وهي : معرفة, وذاكرة, وتفكير تشعبي وقد لا تتوفر جميع هذه القدرات لدى الأطفال في مراحلهم العمرية الأولى,
ولكن بالإمكان تدريبهم على التدرج في النمو وفق تلك المستويات من التفكير من خلال تعداد بيأة مناسبة وتقديم أنشطة تربوية مناسبة لذلك. ويشير قطامي ( 2007) إلى متطلبات لا بد من توافرها عند تعليم الإبداع وهي:
1- الإيمان بأن استعدادات الطفل يمكن أن تنمو وتزدهر, أو تختفي وتطمس وإن الطفل لديه قدرات ذهنية واسعة يمكن أن يحقق بها الكثير إذا توافرت له الظروف.
2- الاعتقاد بوجود فروق فردية واسعة بين الأطفال, ومراعاتها في البرامج التعليمية وأساليب التعليم والإيمان بأن الاضطرابات النفسية والقلق هي من المعوقات الرئيسية للإبداع.
3-الاعتقاد بضرورة جعل الطفل إيجابياً, ونشطاً, وحيوياً, وفاعلاً في المواقف التعليمية والاهتمام بشخصيته وميوله وقدراته.
4-الاعتقاد بأن تفاعل الأطفال مع الأفراد المبدعين يساهم في تطوير قدراتهم الإبداعية. لذا فإن دراسة تاريخ العلم والعلماء والمخترعين والقادة تسهم في غرس الروح العلمية والإبداعية لدى الأطفال.
5-الاعتقاد بأن الطفل هو أكثر الكائنات الحية مرونة على التشكل والتكيف مع ظروفه البيئية المتغيرة, وأنه الأكثر قدرة على التأثير في الظواهر الطبيعية وتعديلها. إضافة إلى أن عنصر تشجيع المربين والمعلمين للأطفال على الاستقلالية وتشجيعهم على طرح الأسئلة وتقبل استجاباتهم المختلفة يسهم في تطوير الإبداع لدى الأطفال. ج- تربية الإبداع وتطوير الشخصية المبدعة: أشار تيرمان Terman في دراساته إلى أن معظم الأطفال المبدعين يتميزون بأسر مستقرة وبنظام أسري متكامل ويرى أن التفكير الإبداعي يظهر بشكل أفضل في مثل هذه البيأة البعيدة عن التوترات والضغوط الانفعالية والتشتت الأسري( جروان 2002). فتعد البيئة العامة التي يعيش فيها الفرد ممثلة بالأسرة والمدرسة والمجتمع من أهم سبل تطوير الإبداع والتفكير الإبداعي لدى الأطفال والناشئة, بما في ذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الفرد في الأسرة, أو المدرسة, أو المجتمع, أو العصر الذي يعيش فيه . فالأسرة هي المكان الذي يقوم فيه الطفل بتطوير أساليب تفكيره عن طريق اتصاله بمن حوله، فالأسرة بيأة هامة في تطوير القدرات الإبداعية، بما توفر لأبنائها من بيأة مناسبة لنقل القيم العامة، إما بشكل مباشر من خلال تمثيل قيم أو ممارسات معينة، أو بشكل غير مباشر عن طريق تقليد أنماط السلوك التي يعرفها الوالدان،
ويمكن للأسرة أن تؤثر في نمو القدرات الإبداعية لأطفالها عن طريق اختيار نشاطات محددة لهم وتنظيم أوقاتهم ووضع معايير محددة لتعزيز الأداء. كما أن أنماط تفاعلات الأسرة وتركيز نشاطاتها على نمو الإبداع وتطوره لدى الأطفال، يسهم في توفير ظروف قد تكون مناسبة لإظهار أنماط تفكير إبداعي لدى الأطفال، وهذه الظروف تختلف باختلاف الأسرة. كما أنَّ الجوانب المختلفة لثقلفة الأسرة تشكل أبعاداً يمكن استخدامها لوصف الأسر بشكل عام، فالأسرة التي يظهر وفق ظروفها المبدعون تختلف عن غيرها من الأسر في عدد من المتغيرات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الشخصية( فقهاء، 2002) .
كما أن المدرسة هي المرحلة الثانية وهي امتداد للأسرة، والمدرسة المربية للإبداع ذات خصائص بيئية وتعليمية ومادية، تتطلب إمكانات ومواد مختلفة وتجهيزات متقدمة، كما تتطلب معلمين ذوي خصائص إبداعية، تؤهلهم في التعامل مع الأطفال واستثارة دافعيتهم للإقبال على ممارسة الأداء الإبداعي. وحتى تكون المدرسة قادرة على رعاية الإبداع وتنميته لدى طلبتها، ينبغي أن تتوافر فيها الظروف التالية : •- توفير المواد والمعلومات الدراسية المتصفة بالتنوع والدقة وسلامة العرض والأسلوب التعليمي، فالخبرات تشكل المحتوى الأساسي والضروري لتربية الإبداع وتنميته لدى الطلاب .
•-توفير جو تفاعلي بين المدرسة والمجتمع، من أجل تطوير معارف وقدرات وخبرات الطلبة وخاصة في المجالات التي قد ترتبط مباشرة باستعدادات الطلبة وميولهم وقدراتهم. ويكون المجتمع والبيأة المحيطة بمثابة عناصر مهيأة ومثيرة للطلبة. وتحرّك استعداداتهم وميولهم وتنشطهم نحو الإبداع والتجديد.
•-إتاحة المدرسة الفرصة أمام الطلبة للتحول من الأفكار التقليدية إلى الأفكار الإبداعية والجديدة، وإتاحة الفرص لاختيارها ونقدها، بهدف تطوير شخصيات مستقلة ومفكرة ومبدعة لدى الطلبة .
•-قدرة المعلم على رعاية الإبداع وتنميته لدى الطلبة، من خلال استخدامه لاستراتيجيات تعليمية متنوعة، يعرض من خلال نماذج تقكير إبداعية تسهم في إثارة المنافسة الإيجابية بين الطلبة أنفسهم، وبين زملائهم، وفق ظروف اجتماعية آمنة ( قطامي 2007).
كما أن للمجتمع دوراً هاماً في تربية الإبداع لدى الأفراد، لأن النظام التربوي في أسسه وأهدافه وفلسفته يقوم على ما يسود المجتمع من ثقافة، وقيم، وأفكار، ومعتقدات ، بهدف تطبيع الطلبة على ثقافة المجتمع السائدة فيه، من أجل مساعدتهم على التكيف السوي، وتلبية متطلباتهم للحياة المستمرة. والمجتمع بما يسوده من فعاليات ومؤسسات اجتماعية وتربوية تعكس مدى ملاءمة الظروف البيئية الاجتماعية لتقبل عناصر التغيير والتحديث والمعاصرة، والتي يمكن اعتبار العوامل الإبداعية جزءاً منها. فالتفكير الإبداعي يتم تنميته عادة وفق الظروف التي تهيئها الأسرة والمدرسة والمجتمع، حيث أن هذه الظروف الثلاثة تشكل الظروف المجتمعية التي تهيئ المواقف التي تتيح الممارسات الإبداعية أو تعيقها ( فقهاء 2002). فالمجتمع الذي يتصف بالثقافة الحيَّة النشطة, يستطيع أن يستقبل العناصر الثقافية الجديدة , ويهذبها بهدف جعلها أكثر مناسبة لثقافته , لذلك يمكن القول إنَّ فلسفة المجتمع إذا ما تضمنت توجهاً نحو تربية الإبداع, فإن ذلك يتحقق عن طريق ما يتم تضمينه في أدوات تحقيق الفلسفة التربوية, حتى تحقق أفكار الأصالة والحداثة للأفراد والمجتمع, ومواكبة التقدم والتطور المعرفي والمعلوماتي الذي يشهده العالم . ومما سبق يمكن إجمال العوامل التي تسهم في بناء الشخص المبدع أو هدمه, والتي يلتزم علينا بوصفنا تربويين أن نسعى في بنائها وتنميتها لأبنائنا الطلاب.
ومن أهم تلك العوامل مايلي:
1- ظروف عامة: ويقصد بها جميع المتغيرات العامة التي تحيط بالفرد وتشمل: طبيعة المجتمع, والأسرة لذا فقد تتغير نسبة الإبداع في المجتمع حسب طبيعة المجتمع وكذلك الأسرة. فالمجتمع المنفتح على المجتمعات الأخرى يساعد على الإبداع, وكذلك المجتمع الذي يتقبل الجديد ويعطي المجال لأفراده.
2- ظروف خاصة: وهذه الظروف الخاصة ترتبط بالجانب التربوي النظامي من مدرسة ومنهج ومعلمين ومشرفين, فالنظام التربوي الذي يشجع على الابتكار والتجريب, ويعطي الفرصة للمتعلمين على الاستكشاف والبحث والتعبير, ويهيء الخبرات التعليمية المتنوعة والمشوقة, كل هذا يساعد على بناء الشخصية المبدعة.( العبد الكريم والعبيد,2007). ويرى قطامي أن معرفة خصائص الطفل المبدع تكون ذات فائدة للمعلم والمربي من أجل تحديد الأطفال المبدعين, واكتشافهم, وتنمية قدراتهم الإبداعية وعدم إعاقتها. فالطفل المبدع طفل مميز ذو خصائص غير عادية, ويتطلب تخطيطاً للأنشطة من الواجب مراعاتها.
الكاتب /خالد عبدالله الثمالي
عضو مؤسسة سفراء التميزوالابداع
ماجستير مهني في التدريب والتنمية البشرية
معلم اللغة العربية بمدارس الموهوبين بمكة المكرمة .
تسجيل وترخيص مؤسسة سفراء التميزوالابداع الدولية في الأمم المتحدة
التفكير الإبداعي ودوره في إتخاذ القرار
بارك الله فيك وزادك علما ومعرفة
احدث طرائق تدريس