تمكين المرأة بين التنمية البشرية والتشريع الإسلامي
تحظى قضايا تمكين المرأة باهتمام كبير في العقود الأخيرة، سواء في مجال التنمية البشرية أو من خلال الأطر التشريعية ومع ذلك فإن النقاش حول تمكين المرأة غالبًا ما يغفل التوازن بين تحقيق ذاتها وبين احترام القيم والتشريعات التي تضمن لها حقوقها دون الإضرار بثوابت المجتمع.
وهنا يبرز التساؤل: كيف يمكن تحقيق تمكين حقيقي للمرأة ينسجم مع مبادئ التنمية البشرية وأحكام التشريع الإسلامي؟
يعرف خبراء التنمية البشرية بأنها العملية التي تهدف إلى زيادة قدرات الأفراد وتوسيع خياراتهم، ويأتي تمكين المرأة في هذا السياق بالمعنى الذي يمنحها الفرص لتطوير مهاراتها، والمشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما يشمل تمكينها تحقيق استقلالها المالي، وتعزيز دورها في اتخاذ القرارات، وإزالة العقبات التي تحد من تطورها المهني والفكري.
وقد جاء التشريع الإسلامي بالدعوة إلى المساواة بين البشر، وضمن للفرد حريته وكرامته، ولم تكن المرأة استثناء من إقرار حقوقها وصون كرامتها، ويتضح لكل قارئ للقرآن الكريم، ولكل دارس للسيرة النبوية، ما حفل به الكتاب الكريم والسيرة العطرة من نظرة معتبرة للمرأة، تخالف ما هو معهود من التعدي على حقوقها وحجر على حريتها، ويعبر عن الاختلاف في تلك النظرة الخليفة عمر بن الخطاب – رضي اللّٰه عنه — حين قال: “والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل اللّٰه فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم”
ومن أساس العدل بين الناس، جاء عدل الإسلام بين الرجال والنساء في مختلف مناحي الحياة، فبين أن حسابهم أمام اللّٰه بشكل متساوي لا تمييز فيه، حيث قال اللّه — تعالى -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أوْ أنْثى وَهُوَ مُؤْمِنُ فلتُحْيِيَنَهُ حَيَاةً طيِّبَة وَلِنَجْزيَنَّهُمْ أجْرَهُمْ بأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل: 97). كما وضع الإسلام ضوابط وتشريعات لحماية حقوق المرأة، وجعل لها واجبات عليها القيام بها من خلال حفظ كرامتها وصيانة عرضها بتشريع الزواج وتكوين أسرة، قال – تعالى -:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلْقَ لِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكْمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفْكَرُونَ) (الروم: 21). كما أعطى الإسلام المرأة حرية ممارسة جميع أنواع المعاملات والتصرفات، فيحق لها أن: تبرم العقود التجارية، والزراعية، والصناعية، والمصرفية، وتبيع وتشتري وتتملك الأموال المنقولة والعقارات، وتهبها إن شاءت، وترهن وتودع، وتقبل الوكالة وتنشئها وغيرها
وللمرأة في عهد النبيّ والتاريخ الإسلاميّ، إسهامات واضحة الأثر في المُجتمع المسلم في معظم المجالات، فقد عملت المرأة في التجارة، وخير شاهدٍ على عملها في هذا المجال ما قامت به أم المؤمنين خديجة رضي اللّٰه عنها، كما بدا دور المرأة واضحاً في المجالات الطبِّية؛ كمشاركة السيدة رُفيدة الأسلميّة وجهودها المباركة في هذا المجال، وعملت المرأة في الزراعة وتربية الأغنام؛ كأسماء بنت أبي بكر، وفي الإدارة والحِسْبة؛ حيثُ برعت الشفاء بنت عبد اللّٰه في هذا المجال إلى الحدّ الذي جعل الخليفة عمر بن الخطاب -رضي اللّٰه عنه-يأخذ مشورتها في العديد من المرَّات في الأمور الإدارية وشؤون السّوق.
وعليه فان الباحث في قضايا المرأة يجد أن التشريع الإسلامي يؤكد على مكانة المرأة، و انه يضمن لها حقوقها في مختلف جوانب الحياة، بدءًا من حقها في التعليم والعمل، إلى حقها في التملك وإبداء الرأي. فالمرأة في الإسلام كيان مستقل مسؤول عن نفسه، وقد قدَّم لها التشريع ضمانات تكفل تحقيق ذاتها دون أن يؤدي ذلك إلى صراع مع دورها الأسري والاجتماعي.
و تأتي في هذا السياق العديد من نقاط التلاقي بين التنمية البشرية والتشريع الإسلامي في تمكين المرأة والتي منها :
1. التعليم كأداة للتمكين:
يُعتبر التعليم حجر الأساس في تمكين المرأة، وهو الأمر الذي أكَّد عليه الإسلام حين جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهو ما تتفق عليه التنمية البشرية التي ترى في المعرفة وسيلة رئيسية لتحقيق الاستقلالية وبناء الشخصية والهوية الذاتية .
2. التمكين الاقتصادي:
دعم المرأة في تحقيق استقلالها المالي دون المساس باستقرارها الأسري هو أحد القيم المشتركة بين التنمية البشرية والتشريع الإسلامي حيث أباح الإسلام للمرأة العمل والتجارة وفق ضوابط تحفظ كرامتها وتراعي طبيعة مسؤولياتها كأمرأة.
3. الحقوق والواجبات المتوازنة:
في حين أن التنمية البشرية تسعى إلى تمكين المرأة من جميع النواحي، فإن التشريع الإسلامي يحقق ذلك من خلال مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات، مما يضمن بيئة مجتمعية متماسكة تحترم دور المرأة دون إجحاف بحقها أو تحميلها أعباء غير عادلة.
مما سبق ندرك ان تمكين المرأة الحقيقي لا يعني تقليد نماذج مجتمعية لا تتوافق مع قيمها، بل يتمثل في منحها فرص التطور والنجاح ضمن بيئة تحفظ كرامتها وتصون حقوقها.
وبينما تدعو التنمية البشرية إلى تحقيق إمكانات المرأة، يأتي التشريع الإسلامي ليضع إطارًا يحفظ هذا التمكين ضمن ضوابط تحقق التوازن بين الفرد والمجتمع.
لذا، فإن تمكين المرأة يجب أن يكون مشروعًا متكاملًا يستند إلى بناء القدرات، وتعزيز الاستقلالية، وفي الوقت ذاته، احترام الثوابت الثقافية والدينية التي تحافظ على هويتها وتماسكها الاجتماعي.
المستشارة التربوية والأسرية د. آيه ضيف الله الشوابكة