إدارة التغيير مفتاح التحول الرقمي الناجح

بقلم محمد الغرباوي 

بات التحول الرقمي العنوان الأبرز والمحطة الأهم لتغيير توجهات المنظمات نحو الأتمتة والتقنية لتواكب الثورات التقنية الهائلة. فأصبح لزاماً على المنظمات بعالم المال والعولمة أن تتصرف بسرعة للبقاء في سباق التنافس وتحقيق رضا الجمهور وهو ما يدفعها دفعاً نحو التحول الرقمي. إلا أن معظم مبادرات التحول الرقمي هذه تفشل أو تتقدم ببطء، 70٪ من التحولات الرقمية تفشل! هذه الإحصائية ربما المنظمات على دراية بها وتسمعها باستمرار ولكن أياً من تلك المنظمات بادرت لمعرفة السبب في ذلك؟ بل كشفت دراسة حديثة أجرتها Couchbase عن معدل فشل بنسبة 90% تقريبًا من قبل المديرين التنفيذيين بمجال تقنية المعلومات الذين حاولوا تنفيذ مبادرات للتحول الرقمي. فمن بين 1.3 مليار دولار تم إنفاقها على برامج التحول الرقمي للعام 2018 قدّر أن نحو 900 مليار دولار ذهبت سدى.

فالمنظمات فعلاً تمنح أولوية عالية للتكنولوجيا، ولكنها تفشل بجعل تلك التكنولوجيا ذات أثر كونها لم تراعي تقلبات وتغييرات العاملين والعمليات والثقافة والمناخ التنظيمي وهو ما يعرف بإدارة التغيير. لعل أحد أسباب فشل التحول الرقمي هو الحواجز التنظيمية التي توضع قصداً أو دون قصد أمام تلك التحولات. فهذه الحواجز وعلى رأسها مقاومة التغيير والتي تمثل تحديًا حيوياً كونها عامل مؤثر على المنظمات والموظفون بشكل مختلف ومتباين من حالة لحالة ومن ظرف لظرف. ومن هنا في هذه الورقة، سندرس أحد زوايا عملية التحول الرقمي بمحاولة لتحديد وفهم حاجز التغيير وكيفية ادارته.

نعم العديد من المنظمات الحالية ليست مستعدة لعملية التحول الرقمي، فالتحدي الكبير أمامها هو عملية ادارة التغيير المصاحبة للتحول نحو الرقمية. حيث يصف أحد التقارير ثلاث طرق يبدو أن المؤسسات باتت اليوم تتعامل معها لإدارة تحدي إدارة التغيير عند الرغبة بالتحول الرقمي. أولها هو الأسلوب المباشر التقليدي: أي تحويل العمليات الادارية الداخلية الحالية للمنظمة بحيث تأتي المبادرات للتحول من ادارات مختلفة للمؤسسة: كالتسويق أو سلسلة التوريد والإنتاج والعمليات. فيما يبدأ الأسلوب الثاني من خلال إنشاء “وحدة رقمية” مستقلة خالية من إرث المؤسسات التقليدي تركز على بناء نماذج رقمية جديدة. ويقوم الأسلوب الثالث على إنشاء حاضنة أعمال رقمية تهدف إلى تقديم نماذج أعمال جديدة ورؤى يمكن الاستفادة منها من قبل المؤسسة. بشكل عام، هناك طرق متعددة للبدء في إزالة الحواجز التي تحول دون التحول الرقمي والتعلم من عمليات ادارة التغيير داخل المؤسسات.

علاقة إدارة التغيير والتحول الرقمي

إدارة التغيير Change Management هي عملية إدارية تنظم الفجوات النفسية والإدارية الناشئة ما بين عهد تقليدي (قديم) وآخر جديد يتخللها تقلبات بالأنماط والأساليب التي اعتاد عليها كل من له صلة بالمنظمة، ناهيك أنها تلعب دورًا مهمًا في تمهيد النجاح لعمليات التحول داخل المنظمة. التغيير change هو مصطلح تُلقى على عاتقه سبب كافة المعيقات داخل المنظمة خاصة لدى من تجد صعوبة بإيجاد التمويل أو النجاح بمسيرتها. فعدم القدرة على تحديد العائد المرجو للمنظمة، إلى جانب الافتقار إلى المخرجات الملموسة لبرامج ادارة التغيير، هي الأسباب الرئيسية وراء عدم النجاح. إلا أن هناك بعض الأساسيات بإدارة التغيير والتي قد تحدث فرقًا حقيقيًا، وتضمن في النهاية تحسين القدرة على التحول الرقمي، أو التبني الناجح للتقنية في منظمة ما. يقول توربن ريك Torben Rick، استشاري إدارة التغيير والأعمال الألماني، أن أسباب فشل 70% من محاولات التحول الرقمي في تحقيق أثرها المطلوب ترتبط بالعمليات الداخلية للمنظمة وفشلها في وضع استراتيجية فعالة تحدد أولويات عملية التحول الرقمي، وفق التفصيل التالي:

  • 33% من جهود إدارة التغيير تفشل لأن سلوك الإدارة أصلاً غير داعم للتغيير.
  • 39% من جهود إدارة التغيير تفشل لأن الموظفين يقاومون التغيير.
  • 14% من جهود إدارة التغيير تفشل بسبب نقص الأموال أو الموارد الكافية.
  • 14% من جهود ادارة التغيير تفشل لأسباب أخرى.

فلو استثنينا آخر سببين للفشل بالتحول الرقمي سنجد أن ما يقرب من 70% من الفشل مرتبط ارتباط وثيق بمعيق التغيير والقصور بسياسات وأساليب إدارة التغيير بالمنظمة، وهل هذا بقليل؟ فكيف لنا كمنظمات حينها أن نطمح للوصول لعوائد التحول الرقمي ونحن نفشله بأيدنا وبعقليتنا المقاومة لأي تغيير؟!

ووفقًا لدراسة أجرتها KPMG Global Transformation لعام 2016، أفادت أن 96% من المنظمات قيد الدراسة تمر بتحولات رقمية، لكن 47% فقط منها توقعوا تحقيق قيمة مستدامة لمنظماتهم من تلك الجهود الرقمية وهو ما يُعزى لخوف المنظمات من الفشل لعلمها المسبق بعاصفة مقاومة التغيير التي ستصطدم بها إن فكرت بالتوجه نحو نظام اداري مبني على التقنية ومجالاتها.

اليوم ومع توجه المنظمات نحو التحول الرقمي والتقنية، فإن إدارة التغيير ومناهجها المتبعة باتت تتغير بالمقابل أيضًا. فأساليب إدارة التغيير الملائمة للتحول الرقمي وبالمقارنة مع الأساليب التقليدية، تركز أكثر على التغييرات بالمنظمة السريعة والمستمرة اولاً بأول بدلاً من التركيز التقليدي على التغيير الكبير والملاحظ ولمرة واحدة فقط. نرى أيضًا أن إدارة التغيير أصبحت أكثر شمولية لكافة أنحاء المنظمة والعاملين والعمليات اليومية، بدلاً من اعتبارها ممارسة حصرية لمستشاري الإدارة.

لا تحول رقمي دون ثقافة تنظيمية رقمية

تشتمل الثقافة التنظيمية على القيم ومجموعة من السلوكيات التي تحدد كيفية تنفيذ الأعمال في المنظمة. فبتجاهل جعل الثقافة رقمية، ستخاطر المنظمة بفشل برنامج التحول الرقمي لديها. ففي دراسة بعام 2018 قام مجموعة من الباحثين بتقييم ما يقرب من 40 برنامج تحول رقمي لشركات مختلفة وجدوا فيه أن نسبة الشركات التي ركزت على رقمية الثقافة قد سجلت قفزة أو أداء مالي قوي كانت أكبر خمس مرات (نسبة 90%) من تلك التي أهملت التوجه الرقمي للثقافة التنظيمية (17%). فوجد أن ما يقرب من 80% من الشركات التي ركزت على تغيير الثقافة قد سجلت أداء متميز وقوي فيما لم تستطع أي من الشركات التي أهملت تغيير الثقافة البقاء والمنافسة. ولا شك ان إدارة التغيير جزء أصيل من الثقافة داخل المنظمة التي تؤثر بالجو العام لدى المدراء والموظفين وحتى الزبائن. حيث تواجه المنظمات التي لا يمكنها إدارة التحول الرقمي بنجاح عواقب وخيمة طويلة الأجل. لنأخذ مثالاً للشركة العجوز S&P 500 التي قارب عمرها بالعمل أكثر من 90 عامًا، اليوم وخلال كل أسبوعين تتراجع الشركة وتخرج احدى مؤسساتها المنطوية تحتها منها للعمل خارج إطار شركة S&P 500. ما السبب؟ ببساطة قد هرمت المنظمة ولم تعمل على التكيف ومواكبة التحول التقني العالمي وركزت على مراعاة الأسلوب القديم ومناصريه داخل المنظمة وكانت هذه النتيجة المأساوية. كما يتوقع 42% من كبار المديرين التنفيذيين للشركات التي تجري فيها تحولات رقمية أن يرافق ذلك تغير عميق في الثقافة بحلول عام 2020. علاوة على ذلك، وجد الاستطلاع ذاته أن 46% من مدراء مجال تقنية المعلومات ذكروا أن التغيير الثقافي للمنظمة يمثل أكبر عائق أمام النجاح بالتحول الرقمي.

#سفراءالتميزوالابداع

error: المحتوى محمي !
اتصل بنا