لا شك بأن أغلب المجتمعات المتحضرة تسعى إلى زيادة إنتاجيتها والعلو  بها، ومن بين هذه المجتمعات والدول المملكة العربية السعودية فهي تسعى حاليًا وبقفزات متسارعة أن تكون من بين مصاف الدول المتحضرة، وتتسم بملامح المجتمعات الحديثة، ولعل مفتاح الوصول إلى التقدم في العلم والمجتمع والتنمية الاقتصادية هو التسامح والتعايش والتفاعل بلا صراع ولا انصهار عن طريق تقبل الآخر والتقليل من العنصرية، ونشر مفهوم المواطنة العالمية.

وهذا ما يسمى بالتعدد الثقافي والذي يقصد به وجود جماعات صغيرة تعيش ضمن مجتمع أكبر، مع الاحتفاظ بهويتها وقيمها وممارساتها حيث يتم تقبل هذه الممارسات والقيم من قبل الثقافة السائدة مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثقافة الأقلية لا تتعارض مع قانون الدولة ونظامها.

أما من منظور علم الاجتماع فيمكن أن نعتبر التعدد الثقافي عبارة عن إطار للتفاعل تظهر فيه المجموعات التي تحترم التسامح مع الآخرين، والتعايش المثمر والتفاعل بدون صراع ولا انصهار.

وعند الرجوع لفكرة التعددية نجد أنها ظهرت في بداية القرن العشرين، عندما بدأت كل من استراليا وكندا في التصريح بتأييدها لها، وإن في شعور هذين البلدين  وقتها بالحاجة إلى تبني الهوية “متعددة الثقافات” وإلى إعلان تأييدهما للتعددية الثقافية.

تلك هي الفترة التي كانت فيها أستراليا وكندا قد شرعتا في السماح بهجرة جديدة راحت حينها ” تضفي الصبغة الآسيوية” على هاتين الأمتين، فحتى ذلك الحين، كانت أستراليا تطبق سياسة تقصر الهجرة على البيض طبقا لنص قانون تقييد الهجرة لعام1971  حيث كان ثمة اعتراف رسمي بالحاجة إلى المساعدة في تكوين مجتمع ” متعدد الثقافات”، مما مهد الطريق أمام إلغاء تام للشروط” العنصرية” عام 1973.

وقد حث المهاجرون على ” الاندماج” بدلا من مطالبتهم بالخضوع للاستيعاب؛ أي إنهم أصبح في مقدورهم الاحتفاظ ببعض مكونات ” ثقافتهم الوطنية”، واعتبرت جمعيات الجاليات العرقية وسيطا مهما للاندماج.

ويمكننا تعزيز هذه الفكرة عن طريق زيادة فهمنا للآخر، بحيث نكون أكثر مرونة، وتقبل للآخرين، وأن نتجنب فرض قيمنا على الآخرين. ولنا بالرسول- صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة  بحسن خلقه ومعاملته للآخرين مهما اختلفوا عنه، فعندما هاجر للمدينة لم يفرض الدين على يهود المدينة، وتعايش معهم بكل سلم، فقد كان يزور مريضهم، ويقبل هداياهم، ويعفو عن المسيء فيهم، وكان يتاجر معهم، ويعاملهم بالمال، كما شاركهم أعمالهم وعاداتهم، وتواضع لهم وحاورهم وجالسهم.

كذلك عن طريق التشجيع الإيجابي لتنظيم اللقاءات بين مختلف الجماعات العرقية والدينية وإقامة الحوارات والأنشطة المشتركة. ولعل أهم مؤسسة يمكنها تحقيق ذلك هي المؤسسة التربوية وأقصد فيها(التعليم) حيث لا بد أن تأخذ المؤسسة التعليمية بعين الاعتبار العامل الثقافي بكونه من العوامل المكونة لشخصية الفرد الذي نرغب في تربيته.

ولا بد أن نطرح التساؤلات حول ذلك، لأنه يعد من أهم الأسئلة التي على التربية أن تجد لها حلولا بهدف الوصول إلى السبل المؤدية نحو حضارة شمولية تدفع الناس إلى أن يتفاهموا على نحو أفضل، ويتبادلوا المحبة والمودة فماذا لو طبقنا فكرة تدريس الأفراد المهارات الناعمة، والتي من بينها القدرة على الحوار وفق منهجية وآداب وذلك بأن تكون هناك شراكة بين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ووزارة التعليم بوجود إستراتيجية  ممنهجة  تقيس نجاحها بقدرة الفرد بعد التخرج على امتلاك أدوات الحوار وآدابه وفنونه منعكسة على طبيعة أحاديثه بتلقائية ودون تكلف كعنصر مشارك في اتخاذ القرار، ولا ننسى كذاك حث الأفراد على القراءة المنوعة ومن ثقافات متعددة، فالقراءة غذاء الفكر.

ويبقى التساؤل هنا كيف نصل إلى إحداث انسجام ثقافي نسبي انطلاقا من الثقافات المختلفة، دون أن ننسى بالتأكيد الثقافات الأصلية؟

 

 

 

error: المحتوى محمي !
اتصل بنا