نساء خالدات: ام المؤمنين خديجه بنت خويلد رمز العطاء وصانعة المجد منذ فجر الاسلام
المقدمة
في اليوم العالمي للمرأة، وهو مناسبة تبرز دور النساء في جميع أنحاء العالم، نحتفي بذكرى واحدة من أعظم الشخصيات النسائية في تاريخ البشرية، وأول من صدقت برسالة الإسلام: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. إن استحضار سيرتها العطرة هو أروع هدية لكل امرأة مسلمة في كل مكان، فهي تعكس روح العطاء والوفاء، وتجسد أيضًا مصدر إلهام للأجيال القادمة من النساء المسلمات. كانت خديجة رضي الله عنها مثالًا فريدًا للصبر والإيمان، حيث قدمت للنبي محمد ﷺ دعمًا لامثيل له في أصعب اللحظات، وساندته بكل ما تملك من مال وذكاء، مما جعلها حجر الزاوية في تأسيس الدعوة الإسلامية. من خلال هذا المقال، نستعرض دورها العظيم في نصرة الإسلام والمسلمين، ونتناول مواقفها البطولية التي حفرت اسمها في صفحات التاريخ الإسلامي، لتظل خديجة بنت خويلد رمزًا للمرأة المسلمة التي تسهم في بناء الأجيال والمجتمعات.
أول المؤمنين وأول المناصرين
كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن بدعوة النبي ﷺ، مما جعلها أول المسلمين على الإطلاق. فقد روى الإمام ابن هشام في السيرة النبوية أنه لما نزل الوحي على النبي ﷺ في غار حراء، جاء إلى خديجة خائفًا، فقالت له: «كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق»[1]. كانت هذه الكلمات دافعًا قويًا للنبي ﷺ في تلك اللحظة الحاسمة، حيث أعادت له الثقة والطمأنينة، وأكدت له أن ما يحدث له هو من عند الله.
إيمان خديجة لم يكن نظريًا فحسب، بل تميّز بالدعم الفعلي والثبات القوي. فقد وفّرت للنبي ﷺ جوًّا من الأمان والسكينة، مما ساعده على الاستمرار في دعوته بلا تردد أو خوف
الدعم المالي والاقتصادي للدعوة الإسلامية
كان لخديجة رضي الله عنها دور بارز في الدعم المالي للنبي ﷺ، حيث كانت سيدة أعمال ناجحة تمتلك تجارة واسعة. وعندما انطلقت دعوة النبي ﷺ، وضعت ثروتها كلها في خدمة الإسلام. وقد أفاد الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية أن النبي ﷺ قال: «آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس»[2].
هذا الدعم المالي كان له تأثير كبير في استمرار الدعوة، خاصة في سنوات الحصار التي فرضت على النبي وأتباعه في شعب أبي طالب. فقد أنفقت خديجة مالها لتوفير الطعام والشراب، مما خفف معاناتهم وساعدهم على الصمود.
الثبات في مواجهة المحن
من أبرز المواقف التاريخية لخديجة رضي الله عنها الثبات خلال مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب، حيث حاصر المشركون المسلمين اجتماعيًا واقتصاديًا. ورغم أنها لم تكن من بني هاشم، اختارت أن تبقى مع النبي ﷺ، وتحمل شدة الجوع والمعاناة.
وورد في كتب السيرة، أن خديجة رضي الله عنها خرجت من الحصار منهكة، ولم تمضِ فترة طويلة حتى توفيت في العام العاشر من البعثة، وهو العام الذي أطلق عليه عام الحزن لكونه شهد وفاتها ووفاة ابي طالب عم النبي ﷺ [3].
مكانتها في قلب النبي ﷺ وتأثيرها المستمر
كان لخديجة رضي الله عنها مكانة خاصة في قلب النبي ﷺ، حيث كان يذكرها كثيرًا بعد وفاتها ويثني عليها، بل وكان يُكرم صديقاتها وفاءً لها. روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما غرت على أحد من نساء النبي ﷺ ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي ﷺ يكثر ذكرها»[4].
لم يقتصر تأثير خديجة على حياتها، بل امتد إلى نشر الإسلام بعد وفاتها. فقد كانت أمًا لأبناء النبي ﷺ، ومنهم السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، التي استمرت في نشر رسالة النبي ﷺ، وأمّا للحسن والحسين، اللذين أصبحا رموزًا في الإسلام.
الخاتمة
شكلت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها نموذجًا للمرأة المؤمنة الداعمة للحق، والثابتة في وجه المحن، والمضحية من أجل نصرة الإسلام. كان دورها أساسيًا في تثبيت دعائم الدعوة الإسلامية في بداياتها، وكان حب النبي ﷺ لها ووفاؤه بعد وفاتها دليلًا على عظمتها وأثرها في حياته.
ولا يزال إرث خديجة رضي الله عنها معاصرًا اليوم، حيث تظل سيرتها قدوة لكل امرأة مسلمة تسعى لدعم دينها وأسرتها ومجتمعها. لقد كانت أول المؤمنين، وأول الناصرين، وأول المضحين، مما يؤهلها لتكون من أعظم النساء في التاريخ الإسلامي.
الدكتورة دنيا تامري
المصادر والمراجع
[1]: ابن هشام، السيرة النبوية، دار الفكر، ج1، ص263.
[2]: ابن كثير، البداية والنهاية، دار الفكر، ج3، ص160.
[3]: ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص47.