صناعة التغير

سماحي يوسف جيلالي.

عضو مؤسسة سفراء التميزوالابداع 

 

إن غالبية الناس ينتظرون وقوع الأحداث التي تؤدي بحياتهم إلى التغير و إلى التحولات  أي أن التحول المرغوب فيه لا يكون وفقإ لإرادتهم وبعزيمة منهم بل يحدث لظهور عوامل خارجية لا علاقة لهم بها بينما التغيير المؤدي إلى التحول الحقيقي هو ذلك التغير النابع عن الثورة المنبثقة من أعماقنا والتي تكون بوعي و إدراك وتحمل للمسوولية.

قال تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم).. هذا هو القانون الأزلي في هذه الحياة الذي كتبه الله على الناس ، فأي تحول في يظهر على  الشخصية يسبقه تحول داخلي في أعماق النفس، وقد قيل: “إن أضخم معارك الحياة تلك التي تدور في أعماق النفس”. أي أن الوصول ‘لىتغير جلي في تصرفاتنا و سلوكياتنا وطرق تعاملنا يستلزم تحول جذري في أعماقنا

1/مفهوم التغيير

التغيير هو الإنتقال  من حالة واقعية نعيشها إلى حالة منشودة نريد الوصول إليها. فالرغبة  في الإنتقال  من سلوك ما إلى سلوك أفضل، أو تطوير  أسلوب تعاملنا مع الآخرين، أو  تحقيق نجاح معين في حياتنا، لا تكون إلا عبر بوابة التغيير .

2/شروط التغيير 

التغيير = الرغبة + المعرفة + الممارسة + الاستمرارية

أ/ الرغبة :   وبدونها لا نستطيع فعل أي شئ و هي   تعني  إرادة الفعل ،  وحمل أنفسنا على إحداث تغييرما  لا يكون إلا بالإرادة القوية فتعتبر  الحافز والمحرك القوي لدفع النفس نحو التغيير.

ب/المعرفة :   و المراد بها تحديد أهدفنا المرجوة من التغيير و كيفية تحقيقها  أي يجب معرفة ما يجب أن نفعله و لماذا نفعله فهي ترشدنا إلى ما ينبغي عمله لنصل إلى كيفية إحداث التغيير الذي نريده.

ج/الممارسة :   هي الشروع  بالفعل وتنفيذه فلا يجب الإكتفاء بمعرفة ما يجب أن نفعل  و إنما الإنطلاق في التنفيذ وتحويل هذه المعرفة إلى واقع فعلي ممارس في الحياة.

د/الاستمرارية:  تعني أن الشروع في عملية التغيير تتطلب الإستمرارية و الديمومة بحيث  تكون التحولات دائمة ومستمرة، فالتغيير الذي نحدثه  للحظات أو أيام  ثم نترك ما بدأناه لمجرد الشعور بالملل أو الإحباط  لا يسمى تغييرا ولن تتحول به حياتنا نحو الأفضل.

3/مفاتيح صناعة التغيير الذاتي:

üالتوفيق الإلهـــي: طلب التوفيق من الله والتيسير لما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة.   

üالتخطيط  للتغيير: يتوجب  كتابة الأهداف المرجوة من التغيير و وما يترتب عليها  من إلتزامات ووضعها نصب أعيننا.

üالوعي الداخلي :  الإدراك الحقيقي و التشخيص الجيد للدوافع و السلوكيات  و الأفعال التي تعيق التقدم نحو الهدف.

üالتكثيف الحسيتشكيل صورة ذهنية حسية جذابة لما نريد ترمز للهدف تجعلنا نتذكره دائما.

 üإرشاد الضمير: من خلال فهم الصواب والخطأ في كل خطوة تقودنا نحو التغيير، فالغاية لا تبرر الوسيلة.

üالإرادة المستقلة: شحذ العزيمة ورفع مستوى الإرادة والقدرة على الفعل لنأخذ زمام المبادرة الحقيقية للتحرك للأمام.

4/معيقـــــات  التغيير:

إن صناعة التغيير و كما يرى الكثير من المختصين ليست بالأمر الهين أو السهل فبوجود أي فعل يترتب عنه وجود رد الفعل ،فبمجرد أن نقرر إحداث تغير في سلوكياتنا أو في حياتنا فسنجد ما يسمى بمقاومة التغيير وهو أمر يبرز مباشرة عند الرغبة في التغيير مرده إلى عدة أسباب وحواجز يجب تخطيها وعدم التـأثر بها نوجزها في الآتي:

  • القناعات السلبية :

وهي كل ما نحمله بداخلنا من صور تأكد وتجزم باليقين عدم قدرتنا في إحداث التغير و التقدم للأمام ونبدأ بطرح  بعض التساؤلات كأن نقول لماذا نحاول؟ما دمنا لم نواصل أو نستمر أو نقول نحن آخر من يتغير،وقد قيل: ” خلف كل ما نفكر فيه، يكمن كل ما نؤمن به”. فإن كان ما نؤمن به عن أنفسنا سلبيا فلن نتقدم خطوة في صناعة التغيير ؛ لأن ظلال الشك وعدم الثقة ستورث  لدينا العجز وعدم القدرة على التقدم والتحول.

  • جاذبية الماضــي:

مما لا شك فيه أننا نتشبث ببعض الافعال و السلوكيات التي تعودنا عليها منذ الصغر في حياتنا اليومية كالعادات و التقاليد و الأعراف و التي يصعب تغييرها أو حتى إختراقها مما يترتب عنه رفض للتغيير ،فتكييف هذه الأمور أو إستبدالها يتطلب طاقة كبيرة تجعلنا نتخطى حاجز مقاومة التغيير.

  • المقارنــــة :
  • قال رسول الله صل الله عليه وسلم لعمه عندما طلب منه الرضوخ لمطالب المشركين: ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه) ،  إنها قمة اليقين في الله و أعلى صورة للتغيير حيث أنه لا يجب أن نسقط أو نقارن عجزنا على  الآخرين من حولنا و التأثير الخارجي سواءا كان سلبيا أو إيجابيا لا يلغي مسؤوليتنا في التغيير المراد الوصول إليه ولذا وجب التعامل مع هذه المؤثرات بوعي وحنكة.

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

إن التغيير يبدأ بالاهتمام بالنفس في جميع جوانبها الجسدية، والعقلية، والروحية، ومواجهة المخاوف التي تحد من طموحها. والعِلم هو حجر الزاوية في التغيير؛ ولذلك كانت أول آية نزلت في القرآن الكريم تحث على القراءة التي هي بوابة العِلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق). وتقف أمام الإنسان بعض العوائق التي يسهل تجاوزها بسلاح العلم، والقدوات المؤثرة وعلى رأس هذه القدوات نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وقد يقتدي الإنسان بالجزء الجيد في بعض الشخصيات الناجحة في المجتمع.

وستجد أن نفسك أكثر إنسانية، وأهدافك أكثر سموًا، وأولها رضا ربك الذي تستمد قوتك منه، وستعيش حياتك مُعتزًا بذاتك مناصرًا للقيم الإنسانية النبيلة هدفك إسعاد نفسك، ومن حولك فاعلًا في مجتمعك، محبًا لوطنك تحمل الحب، والتسامح، وتقدر قيمة الإنسان، متغلبًا على أهواء نفسك، صادقًا معها قبل أن تكون صادقًا مع الآخرين؛ بل ومتصالحًا معها تعرف نقاط قوتها، وضعفها، وتعمل على تطويرها؛ وستجد أن أخطاءَك مُجرد عتبات من الخبرات تسير عليها في طريق النجاح؛ وقبل ذلك كله ستعرف هدفك ورسالتك في هذه الحياة، وستحرر عقلك من قيود التخلف وعلى رأسها البرمجة التي قبلتها دون أن تُميز الصحيح منها، والخاطئ، وستندحر العادات البالية، والصور النمطية التي تنبعث من خلالها رائحة العنصرية النتنة، وسيطرة العقل الجمعي، وظاهرة ما يُعرف بسلوك القطيع؛ وستكتمل إنسانيتك وستصبح غنيًا بالعلم الذي حجبه عنك ظلام الجهل..

 

 

 

 

error: المحتوى محمي !
اتصل بنا